سياسةمجتمع

“المسلمون في بورما”.. يتحدّثون لنيويورك تايمز

“المسلمون في بورما”.. يتحدثون لنيويورك تايمز

 نيويورك تايمز – إيلين باري

ترجمة: محمد الصباغ

مع اقتراب جيش بورما من قرية “بوينت بيو تشونج”، (حيث يعيش سكان من أقلية الروهينجا المسلمة)، كان أمام الجميع لحظات قليلة لاتخاذ قراراتهم.

اختارت نور أنكيس، 25 عاما، البقاء في منزلها حيث أجبرت على الانحناء والاستسلام لضربها، ثم اقتادها الجنود إلى مكان يتم فيه اغتصاب النساء، بينما اختارت رشيدة بيجوم، 22 عاما، الغوص والهرب مع أطفالها الثلاثة بالقفز إلى نهر صغير عميق ومتدفق، فقط لتشاهد طفلتها الصغيرة تفلت من قبضتها.

اختار صوفيات الله، 20 عاما، النهر الصغير. بقي بالمياه لمدة يومين، وخرج ليجد أن الجنود أحرقوا منزل عائلته بالكامل، تاركين والدته ووالده وشقيقيه يختنقون بالداخل.

هذه الشهادات وغيرها، نقلها لاجئون على مدار الأيام القليلة الماضية عد مغادرتهم بورما (ميانمار) وهم يعيشون حاليًا في بنجلاديش، ليبرزوا مدى العنف الذي اندلع في ميانمار خلال الأشهر الأخيرة مع قيام القوات الأمنية بعمليات مكافحة تمرد وحشية.

تتماشى قصصهم، على الرغم من عدم القدرة على التحقق منها بشكل شخصي، بشكل عام مع تقارير منظمات حقوقية تشير إلى أن الجيش دخل إلى القرى في شمال ولاية أراكان (أراخين) وأطلق جنوده النار بشكل عشوائي، وأشعلوا النيران بالمنازل بواسطة قاذفات الصواريخ، واغتصبوا بشكل منظم الفتيات والنساء، ووفقًا لصور عبر الأقمار الصناعية من منظمة هيومان رايتش ووتش، فإن 1500 منزل على الأقل تم هدمها.

ومن المرجح أن تستمر الحملة التي تحركت نحو الجنوب في الأسابيع الأخيرة، حتى تقتنع حكومة ميانمار بأنها جردت المتمردين من سلاحهم، والذين نشأوا بين الروهينجا، وهي مجموعة عرقية مسلمة تتعرض للاضطهاد لعقود من الأغلبية البوذية في ميانمار.

ويقول ماتيو سميث، من منظمة “فورتيفاي رايتس” غير الحكومية التي تركز عملها على حقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا: “هناك احتمال خطر بأننا لم نر الأسوأ بعد. لسنا متأكدين مما قد تفعله القوات الحكومية في المرحلة التالية، لكن عرفنا أن الهجمات ضد المدنيين مستمرة.”

ونفت لجنة عينتها حكومة ميانمار في الأسبوع الماضي، المزاعم بأن الجيش يرتكب عملية إبادة جماعية في القرى، التي كانت قريبة من الصحفيين الأجانب ومحققي منظمات حقوق الإنسان.

وقال مسؤولون إن قوات متمردي الروهينجا تحرق منازلها  بأيديها، ونفوا معظم الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، عدا عملية اعتداء تم تصويرها بالفيديو. وانتُقدت الزعيمة السياسية البورمية “أون سان سو تشي” والحاصلة على جائزة نوبل للسلام، بسبب عدم اتخاذها ردة فعل مناسبة تجاه العنف.

وبدأ التضييق الأخير على قرى الروهينجا المسلمة بعد هجوم على ثلاث نقاط حدودية في أراكان خلال أكتوبر، قُتل فيه تسعة من رجال الشرطة، ومن المعتقد أن منفذي الهجوم هم جماعة غير معروفة إلى الآن، من متمردي الروهينجا المسلحين.

أحد المنازل المدمرة

وتستهدف الحملة العسكرية، التي تطلق عليها الحكومة عملية “تطهير”، بشكل كبير المدنيين، وفقًا لمنظمات حقوقية، وهناك تقديرات بأن نحو 65 ألفا من الروهينجا عبروا الحدود إلى بنجلاديش، وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية.

وتقول “دودو مياه” اللاجئة إن أروهينجا والتي ترأس لجنة الإدارة في أحد مخيمات اللاجئين، بالقرب من الحدود مع بورما “بدأوا في المجيء كالمدّ” وتابعت: “كانوا يتصرفون بجنون. كانوا مضطربين. يقولون: لقد قتلوا والدي، لقد قتلوا أمي، لقد اعتدوا عليّ. كانوا في وضع فوضوي.”

ويقول نظير أحمد، إمام مسجد وينتمي للروهينجا، إن الجنود يهاجمون القرى المطلة على نهر “ناف”، الذي يفصل بورما عن بنجلاديش، والقريب جدًا لدرجة أن مواطني بنجلاديش يمكنهم رؤية الأدخنة المتصاعدة من القرى المحروقة على الجانب الآخر.

وأضاف أنه في الحقيقة هناك بعض المنتمين إلى الروهينجا، الذين ضجروا من سوء معاملة القوات العسكرية في بورما لهم، نظموا أنفسهم إلى قوة مسلحة بداية، لكن  بورما بشكل درامي بالغت في خطورتها وأبعادها.

وتابع أن الروهينجا “محطمون” ويجمعون العصي ويطلقون استغاثات لإنقاذ أنفسهم، وأضاف: “لو وجدوا فلاحًا الآن يمتلك منجلًا في منزله، يقولون إنه متورط في الإرهاب.”

وفي تحليل لمنظمة الأزمات الدولية، صدر الشهر الماضي، نظر بجدية إلى المجموعة المسلحة الجديدة، والتي تقول إنها تمول من مهاجرين ينتمون للروهينجا يعيشون في المملكة العربية السعودية. وحذرت المنظمة من تصاعد العنف وإسراع عملية التطرف بين المنتمين للروهينجا، الذين قد يصبحون أدوات تستخدمها منظمات جهادية عابرة للحدود.

وفي لقاءات مع لاجئين في مخيمات “كوتو بالونج” و”ليدا” في بنجلاديش، قال المواطنون من الروهينجا الذين فروا خلال الأسابيع الماضية من بورما، إن عسكريين يذهبون من منزل إلى منزل للبحث عن  الرجال البالغين، ثم يبدأون في اغتصاب النساء وحرق المنازل. وينتمي الكثير من اللاجئين الجدد إلى قرية “كييت يوبين”، حيث تم تدمير 245 مبنى خلال يومين في شهر أكتوبر، وفقًا لمنظمة هيومان رايتس ووتش.

ويروي محمد شفيق، وهو شاب في العشرينيات، أنه كان مع عائلته في البيت، عندما سمعوا أصوات إطلاق النيران، ثم دق الجنود باب منزله قبل أن يطلقوا النار على الباب، وحين  سمحت لهم بالدخول، يقول محمد “أخذوا النساء بعيدا وأوقفوا الرجال في صف.”

وأضاف أنه عندما جذب الجندي يد شقيقته، اندفع نحوه، خوفًا من أن يغتصبها، وتم الاعتداء عليه بقوة وتركه الجنود ليموت. ولاحقًا، هرب مع أحد أطفاله، بعدما أصيب برصاصة في كوعه. زحف لمدة ساعة على يديه وركبتيه بحقل أرز، ثم شاهد من نقطة آمنة، القوات تحرق ما تبقى من قرية “كييت يوبين”.

وقال أيضًا: “لم تتبق أي منازل. أحرقوا كل شيء.”

وحسب ما ذكرته منظمة العفو الدولية في تقرير لها، فقد اندفع مسلحون بعد إحدى المعارك ضد الحكومة يوم 12 نوفمبر، إلى قرى مجاورة. وعندما تبعتهم قوات الجيش، قاوم عدة مئات من الرجال في قرية “بوينت بيو تشونج”، مستخدمين الأسلحة البدائية مثل السكاكين، وتابع التقرير أن أحد القادة بجيش ميانمار قتل، وطلبت القوات مساعدة جوية من طائرتي هليوكوبتر هجوميتين.

وقالت، ممتاز بيجمان، 40 عاما، إنها استيقظت في الفجر حينما اقتربت القوات الحكومية من القرية من الجانبين باحثين عن رجال بالغين في كل المنازل.

وقالت إنها وابنتها أجبرتا على الانحناء أمام منزلهما وأن تضعا أيديهما على رؤوسهما بهراوات من الخيزران.

ممتاز بيجمان

وأضافت أن طفلها صاحب العشر سنوات أصيب بطلق ناري في ساقه، وألقي القبض على زوج ابنتها، وزوجها كان بين عشرات الرجال الذين قتلوا على يد جنود مسلحين يحملون بنادق أو مناجل في تلك الليلة.

وقال صوفيات الله، 20 عامًا، إنه كان بمنزله برفقة عائلته صباح الهجوم وأول شيء سمعه كان صوت الطلقات. أدرك سريعا أن الطريقة الوحيدة للنجاة هي الهرب. وأضاف أنه وصل إلى مجرى مائي على أطراف قريته ثم سبح قدر استطاعته بعيدًا، وبقي بالمياه لمدة يومين على الأقل حتى اطمأن ووصل إلى قرية مجاورة ليعرف هناك أن شقيقيه حرقا حتى الموت في منزلهما.

وأنهى حديثه قائلًا: “لا أشعر بالأمان. قتلوا أبي وأمي. ما الذي تبقى لي في هذا العالم؟”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى